كتاب «من تجربة الحركة الإسلامية في تونس» للشيخ الدكتور راشد الغنوشي، رئيس حركة «النهضة» في تونس، والصادر عن المركز المغاربي للبحوث والترجمة، أحد الكتب التي يرجى أن تسد ثغرة كبيرة في بنية الثقافة الحزبية الإسلامية، وهو بمثابة مذكرات حركية، قد يدفع الكاتب ليخط بأسلوبه المميز، سيرة حياته الشخصية، والأحداث التي عاصرها بصفة أوسع مما احتوى عليه الكتاب، وتناوله في الفصل الأول باختصار شديد، حيث توقف عند تأسيس الحركة الإسلامية، ودوافع ذلك. ويأتي الكتاب في وقت مفصلي في تاريخ الحركة، ليقدم التجربة إلى الأجيال التي لم تعاصر التأسيس، وحيل بينها وبين حركة معتدلة، عن طريق الاستئصال، والتهجير، والمحاكمات التي بلغت حد الإجرام والفجور في الخصومة السياسية، بل إلى حد إرهاب الدولة، فقُتل الكثير من أبنائها تحت التعذيب، وسُجن الآلاف من نشطائها لسنوات طويلة بلغت في حالة أحد قيادييها د. الصادق شورو 20 عاماً سجناً. التأسيس للحرية ومقاومة الاستبداد يتكون الكتاب من 10 فصول، و6 ملاحق.. يشير الكاتب في المقدمة إلى أن موضوعات الكتاب تدور حول محور واحد، هو التأسيس للحرية والحوار ومقاومة الاستبداد، كما يأتي الكتاب في خضم المعركة المحتدمة حول مستقبل تونس، إسهاماً في الحوار وتنوير الرأي العام، وكل الجهات المهمة بما يجري في الساحة.. ويرى د. راشد الغنوشي بأن «الصراع في تونس ليس بين تيار تحديثي وتيار تقليدي محافظ، بقدر ما كان صراعاً بين مشروعين للتحديث، مشروع يقوده تيار التغريب، وآخر يقوده تيار التعريب، حيث لا يرى التيار الأول طريقاً لدخول البلاد في العصر من دون تهميش الإسلام أو على الأقل تطويعه للقيم الغربية». ويستدرك في موضع آخر فيقول: «تحديث على أرضية العروبة والإسلام، وتحديث على أرضية التغريب والتبعية». يتحدث الشيخ راشد في الكتاب عن تجربة الإصلاح في بلاده، ويؤكد أن المساهمة التونسية في تجربة الإصلاح لم تقف عند المستوى النظري، من خلال القيام بتجديد فهمٍ أصيل للإسلام، قادر على استيعاب مكتسبات التطور الحضاري على المستوى الإنساني؛ «إن على صعيد العلم والتقنية، أو على صعيد التنظيم السياسي والإداري للدولة بما يضع حداً للحكم الفردي، ويُُُعلي من سلطة القانون ويدخل الفعالية في عالم يحتضر». تحدث في الفصل الأول عن البيئة التي نشأ فيها - تحت عنوان «من القرية إلى المدينة» - المؤلف وأطوار نشأة الحركة الإسلامية.. وتحدث في الفصل الثاني عن «العناصر الفكرية المكونة للحركة الإسلامية».. وتحدث في الفصل الثالث عما عنون له بـ«دروس من تجربة الحوار في تونس».. وفي الفصل الرابع: «دورس وعبر من تجربة انتخابات 1989م».. وفي الفصل الخامس: «في الذكرى العشرين لتأسيس حركة الاتجاه الإسلامي 1981 / 2001م».. والفصل السادس: «ساعة التغيير في تونس».. والفصل السابع: «حق الاختلاف وواجب وحدة الصف».. والفصل الثامن: «أحداث يناير 1984م، انتصرت الجماهير».. والفصل التاسع: «في الذكرى الخامسة عشرة لتأسيس حركة الاتجاه الإسلامي».. وفي الفصل العاشر: «فكرة المعالجة الوطنية الشاملة». أما ملاحق الكتاب الستة، فهي: «البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الإسلامي»، و«من مواقفنا» مقتطفات من الندوة الصحفية الأولى للحركة، و«بيان حق التعددية والجماهير هي المحدد لشروط ممارسته»، و«حوار مع مجلة «المجتمع»، نطالب بالحريات للإنسان ولكل الفئات السياسية»، و«بيان حول الإسلام والعنف»، و«الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة الاتجاه الإسلامي في تونس». في حديثه عن العناصر الفكرية المكونة للحركة الإسلامية، يحدد الكاتب أربعة عناصر أساسية؛ أولاً: التدين التقليدي التونسي. ثانياً: الفكر السياسي الاجتماعي الإخواني والقائم على تأكيد شمولية الإسلام، ومبدأ حاكمية الله سبحانه، ومبدأ العدالة الاجتماعية. ثالثاً: منهج تربوي يركز على التقوى، والتوكل، والذكر، والجهاد، والجماعية، والاستعلاء الإيماني، والأخوة، والتقلل من الدنيا، وتحري السُّنة حتى الجزئيات. رابعاً: منهج فكري يضم الجانب العقائدي الأخلاقي على حساب الجوانب السياسية والاجتماعية، ويقيس الأوضاع والجماعات بمقياس عقيدي مما ينتهي معه الأمر إلى تقسيم الناس إلى إخوة وأعداء، ويغلب جانب الرفض في تعامله مع الواقع والثقافات الأخرى، وحتى المدارس الإسلامية الأخرى، فهو آحادي النظرة ويكاد يشكل منظومة مغلقة. التدين العقلاني، وهذا العنصر كما يقول الكاتب، وإن لم يعبر عن نفسه بشكل واضح إلا في مرحلة متأخرة لا سيما في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه كان موجوداً، منذ وقت مبكر من دون وعي كاف بنفسه، وقد جرفته في النصف الأول من السبعينيات موجة التدين الإخواني السلفي العاتية، ولكن لم يلبث أن توقف باحثاً عن نفسه، مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، ويقوم منهج التدين العقلاني كما يشير الغنوشي على نزعة الاعتزال، وقد قام الكاتب بتفكيك وتحليل رؤية «التدين» العقلاني بشكل موسع في الكتاب. تحدث المؤلف في الكتاب عن ذكرى تأسيس «حركة الاتجاه الإسلامي» (حركة النهضة حالياً)، في 6 يونيو 1981م، وهو حدث مهم جداً في تاريخ تونس، بل في مسار الحركة الإسلامية عامة، وقد «مثّل ذلك معطى أساسياً في جملة التطورات التي مرت بالبلاد، وعجز حجم العنف الهائل الذي بذلته السلطة وحلفاؤها من أجل تهميش هذا المعطى وتجاوزه، وتنظيم الحياة بمعزل عنه، ولكن دون جدوى، فلا يزال هذا المعطى الغائب رسمياً، هو الأشد حضوراً من كل الحاضرين، والمكون الرئيس من مكونات التطور والحراك السياسي والاجتماعي، والهم الرئيس للنظام الذي يؤخذ بعين الاعتبار، في كل سياسة تتخذها..». تحدث الشيخ راشد في الكتاب أيضاً عن مقدمات تأسيس الحركة الإسلامية في تونس وأهدافه (التأسيس) الثقافية والحضارية والتطور الذي طرأ عليها، وموقف السلطة منها ممثلاً في حرب الاستئصال التي طالت الحركة. كما تحدث الكاتب عما وصفها بالأسس التي حكمت تونس منذ انقلاب 7 نوفمبر 1987م، مشيراً إلى أنها «غير قابلة للاستمرار على المدى الطويل، وهي في سبيلها إلى التداعي، فاسحة الطريق أمام تشكل معادلة التغيير، وهي نقطة اللقاء بين حركة الشارع وتجسير العلاقة مجدداًً بين جناحي الحركة الوطنية، الإسلاميين وغيرهم، مع اهتزاز تماسك السلطة، فإذا أضفنا إلى ذلك نضج البديل المدني المقبول محلياً وخارجياً؛ كان التغيير». تحرير الإسلام ومن العبارات الخالدة التي تمثل منهج حياته، والتي عنون بها إحدى مواد الكتاب «حق الاختلاف وواجب وحدة الصف»، وهي معادلة يستوجب إرساؤها في داخل الحركة الإسلامية، وفي الأوطان، والإنسانية عامة، مصداقاً لقوله تعالى: {$ّتّعّاوّنٍوا عّلّى پًبٌرٌَ $ّالتَّقًوّى $ّلا تّعّاوّنٍوا عّلّى الإثًمٌ $الًعٍدًوّانٌ}(المائدة:2)، وقوله تعالى: {إنَّ أّكًرّمّكٍمً عٌندّ پلَّهٌ أّتًقّاكٍمً}(الحجرات:13)، معطياً للدين بُعداً تحررياً بدل اتخاذه قميصاً لتغطية عورات الاستبداد. «التخلف والتقدم ظاهرتان لا ترتبطان وجوداً أو عدماً بعقيدة معينة، كالإسلام والنصرانية أو المادية، بقدر ما ترتبطان بمدى احترام هذه الديانة أو الفلسفة أو تلك لكرامة الإنسان وحريته، ومدى قدرتها على إبداع أنشطة حياة تقسم المجال أمام ملكاته للتفتح والنمو والإنتاج والتطور والتطوير». وينوّه الكاتب بالحالة الإسلامية (تجاوزت الظاهرة) بكونها أنبل حالة في عالم المسلمين، والتي ولدت وانتعشت على أنقاض الهزائم المتكررة التي منيت بها أيديولوجيات اليمين واليسار على المستوى العسكري، حيث قادت الهزائم إلى الاستسلام المتكرر للإمبريالية والصهيونية وحلفائها. ويؤكد الغنوشي أنه «إذا كان الاختلاف حقاً ثابتاً، فوحدة الصف واجب، بأمر مباشر من الله سبحانه.. فالنجاح في مواجهة التحديات لا يتحقق إلا بصف موحد للجميع، وإن اختلفت اجتهاداتهم في فروع الدين وأساليب التطبيق، فهم ملتقون على أصول الدين»، مشيراً إلى قوله تعالى: {إنَّ پَّذٌينّ فّرَّقٍوا دٌينّهٍمً $ّكّانٍوا شٌيّعْا لَّسًتّ مٌنًهٍمً فٌي شّيًءُ}(الأنعام:159). كما تناول الشيخ راشد في فصول الكتاب «المصالحة الوطنية»، وتحدث عن منهج المصالحة والصلح والإصلاح في الإسلام؛ إذ إنه «نهج أصيل، مادته ومحتواه منبثتان في مختلف أرجاء الكتاب العزيز والسُّنة المطهرة وقصص الأنبياء وسير الدعاة»، وأن فكرة الصلح والإصلاح هي فكرة التواضع وترك الغرور، والرغبة في التعلم من الآخرين، والجرأة والصرامة في نقد الذات. وقد أفاض الكاتب في الحديث عن ثقافة الصلح والإصلاح؛ تصالح مع أنفسنا، وتصالح مع قيمة الحرية، وتصالح مع شعبنا، وتصالح مع عصرنا، استيعاباً لعلومه وتقنياته ومذاهبه في اعتزاز شامخ ولكنه متواضع بالحق. «ذلك أن حركة الإصلاح الإسلامي ومنذ القرن التاسع عشر سرعان ما استوعبت فكرة التحديث بما هي علوم وتقنيات وسلطة قانون على أنقاض أوضاع التخلف المادي والمعنوي ومنها الحكم المطلق، حكم الفرد.. وفي طورها الحديث (الحركة الإسلامية) استوعبت الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومركزية المجتمع المدني بديلاً عن مركزية الدولة».كتبه .. عبد الباقي خليفه
Çatdırılma Xərci |
|
Mağaza Məkanı |
İncələmə tapılmadı!
Bu məhsul üçün şərh tapılmadı. İlk şərhi yazın!