فى اللحظة الأخيرة، قبل موتها، رأت أشول ولدها نور الدين، رأته فى الركن البعيد من حديقة البيت، جوار شجرة المانجو فى نفس المكان الذى جرح فيه قبل سنوات حين كان يطارد النسناس الأخضر الذى أهدته له جدته. كان مربوطا فى شجرة باباى وحوله جنود يتأهبون لإطلاق النار. رأت المكان من حولها غارقا فى مغيب أبدى ترقرقت أمواجه الذهبية على صفحة مياه نهر موسمى صغير، كان يعبر المدى الغارق فى عتمة غابة استوائية، يختلط غبار ظلالها الضوئية فى صخب زمان بعيد.لكن شيئا ما يجذبه إلى حكايات العم الطيب، يجد لها طعما خاصا، ترسخ في ذاكرته لا كمجرد حكايات بل كوقائع لها امتداد في قيظ أيام الدميرة، غناء القمري المخلوط برائحة نوار شجر النيم، غناء الغرباء الراحلين في حمارة القيظ، الزمن الراكد في أمسيات الشتاء الباردة حين كانا يجلسان حول نار الخشب يشربان الشاي الأحمر الساخن الذي يغلب على طعمه رائحة الخشب المحروقفي النهاية ستثمر المؤامرات، قام العمدة بطرد العم الطيب تحت ضغط أهل القرية، بعد شهور طويلة تلقى سمل رسالة قصيرة منه يطمأنه على أحواله، يعمل في فندق في مدينة بورسودان، عاد الى حياة المدينة التي كان يحلم بها، العيش الساخن والتسكع ليلا في حواري الميناء.اختتم رسالته بعبارة ستظل راسخة في ذاكرة سمل لسنوات، كلما أطلت صورة الطيب من بين خيوط النسيان، يظل يتذكره ويتذكر كلماته حتى بعد أن وقع أسيرا في أيدي القوات الحكومية التي هاجمت المعسكر الصغير الذي كان هو وفصيله المتمرد قد تراجعوا إليه بعد عدة أيام من قتال شرس للاستيلاء على مدينة جوبا.كانت عبارة الطيب التي لم ينسها:الحمد لله الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور
Shipping Cost |
|
Shop Location |
No reviews found!
No comments found for this product. Be the first to comment!