"الويل للناقد في أمة لم يألف أدباؤها الأقرابين المدح ونذور الثناء، يطرحها المؤمنون على أقدام تلك الآلهة، ثم حسبهم الرضا والشفاعة... والذي لفّه ضباب الندّ والبخور بإزار حجبه عن الأبصار، حتى تنكرت سحنته واصبح شبحاً مقدساً، يؤذيه النقد ويذيبه التحليل. وكيف لا؟ أما صار عند نفسه كتابوت العهد، من لمسه صُعِق؟ ومن لم يبرح هياكل التقريظ الموصدة النوافذ يضره القعود بالمروحة. ومن لم يتعود النظر إلى شمس الحقيقة يتململ إذا فاجأه نورها، ويرمد إذا ثار في وجهه الرهج، فماذا نفعل لأصحابنا ليألفوا تغلبات الأنواء واكفهرار الأجواء؟ إن عاصفة امرئ القيس أنزلت العصم من "القنان" واقتلعت نخل إيماء، وهدمت الأطم إلا المشيد بجندل... وهكذا النقد فبصره يرتدُّ كليلاً دون جبل السموأل. ولكن أدباؤنا المعروفين، كذلك "المدلل" القائل فيه شاعره المأفون.: "خطرات النسيم تجرح خديه، ولمس الحرير يدمي بنانه فلّله آدم، كما ولد أسباطه من أشكال ومن ألوان! ولله شاعرنا العربي كيف هام في محبوب إذا لمسه تضرج بدمه ولوثه به. هذا الحبيب، كما صوره لنا شاعره، والشعراء في كل واد يهيمون، كتلك الديدان التي تنفرز إن لمستها؟ لقد تجاوز أدباء العرب تخوم البشرية، فصاروا طوباويين، فَلِمَ لا تخفُّ رؤوسهم بهالاتٍ من نور كصور القديسين؟ إن أهلّة الكهرباء سهل اصطناعها، ولكن كيف نحتال لمجرى كهربائي يتصل بهم فلا يفارقهم في الحل والترحال؟".بأسلوبه الناقد الساخر يتناول مارون عبود قضية من القضايا المهمة في عالم الأدب وهي قضية النقد التي يرتاح أصحابها خشية الأذية من قبل من وجهه إليه النقد، خاصاً في مادته هذه النقد الشعري، حيث تمّ إلغاء النقد مستبدلينه بالمدح والتقريظ. يمضي مارون عبود متناولاً ومن خلال نقد إيجابي ببناء عدداً من شعراء عصره مستعرضاً بعض قصائدهم ومسلطاً عليها الضوء في محاولة لبيان بعض النقاط التي تعدّ مثار انتقاد (سلباً أم إيجاباً). ذلك كله بأسلوب مارون عبود المتميز بالسخرية اللاذعة والتي تعجب القارئ إلى حدّ بعيد.
Shipping Cost |
|
Shop Location |
No reviews found!
No comments found for this product. Be the first to comment!