"أنا آسف يا سيدي، ولكنك بدون وكأنك تعرفني، حتى أنك قلت (أنت) عندما رأيتني.. يبدو أنك توهمتني شخصاً آخر، أنا يسار محمد محمود كما تعرف، وحضرتك؟.. آه اسمك مدون هنا.. لنرى.. العقيد عباس محمود زكي.. لا يا سيدي، فهذا الاسم لم يمر بي من قبل، كما أني على يقين من أنني لم أرَ وجهكم الكريم قبل اليوم.. على كل، شكراً جزيلاً لك سيادة العقيد، لقد غمرتني بفضلك لأنك سمحت لي أن أبات معك هنا، بدلاً من أن أكون في النظارة.. ولكنني لا أهتم أن بقيت هناك في النظارة، فقد تقبلني النزلاء بينهم بنحو جيد وخاصة بعد أن عرفوا أني مواطن سويدي.. لا، بل نعم، أنا سويدي الجنسية الآن، ولكني عراقي حد النخاع .. ما عليك من الجنسية، فهي لا تعني لي شيئاً، أنا ولدت عراقياً وأحببت عراقيتي، وسأبقى كذلك حتى لو حصلت على جنسيات العالم كلها... ولكن الحق يقال، سأشعر براحة أكبر هنا، آه، ذلك الرجل.. حمداً لله أنه لم يمت ولكنه في المستشفى بسبب فكه المكسور كما سمعت... أتدري؟.. لم أعرف أني أمتلك مثل هذه القوة بقبضتي.. يبدو أن الغضب هو الذي فعل فعلته.. أردت الدفاع عن نفسي بعدما هاجمني، أكان يجب عليّ أن أتقبل ضرباته، لكي أجعل دفاعي عن نفسي شرعياً.. وما هي الا كلمة واحدة، من أين لي أن أتوقع أنها ستكون القاضية.. نعم، لقد كنت مصمماً على الدفاع عن نفسي، ولكن لا بأس بتلقي بضعة لكمات دفاعاً عن موقفي الذي أصررت عليه، اضطررت لوقوف ذلك الموقف، اذ لم ترق لي فكرة أن أترك ذلك الصغير البريء ليتلقى عقاباً لا يستحقه، لوحده.. كان ضعيفاً، فهل يجدر بي أن أتركه لوحده.. لا يا سيدي، لقد طال زمان سكوتنا على الظالم، ولذلك اشتد علينا الظلم، أتعرف ما أبرز عيوبنا، انها اللامبالاة، تترى الأخطاء أمام أعيننا، ونحن نقول، ما همنا ما دام الأمر لا يعنينا، أو في الأقل، لا يؤذينا نحن.. تتراكم، وتتراكم، حتى خنقتنا وعمت دنيانا وها قد أحالت حياتنا، ظلاماً.. لا لم يكن لي أن أترك الصبي وحيداً، مثلما كنا أنا وأنت وهم، عشنا كلّ لوحده، ولذلك استفحل الظلم بنا.. لقد تعبت.. تعبت كثيراً، وأريد أن أولي أمر احترام نفسي، اهتماماً أكبر، وهذا الاحترام يحتم عليّ أن لا أعتذر لرجل لا أحترمه.. لا أحبه.. أنا أستطيع أن أكلمك عن كل الأسباب التي جعلتني هكذا، أن أقص عليك قصتي، فنحن نمتلك الوقت لهذا لأنه سيبقى طويلاً في المستشفى كما هو واضح، ولن يتنازل عن شكواه ضدي ما دمت لن أعتذر له.. وهذا يمنحني وقتاً كافياً.. ما أكرمك يا سيدي.. أنا بالفعل أحتاج الى من يصغي لي.. أن أخفف عن نفسي.. أنا أستطيع أن ألخص لك قصتي بكلمة واحدة.. الحب.. أقصد الاخفاق في الحب، هو كل قصتي.." أحداث ثلاثين عاماً اختزلها يسارمحمد محمود بثلاث عشرة ليلة وليلة... مسترسلاً، وبعد ان اطمأن الى محدثه ضابط الأمن عباس محمود زكي، انطلق يسار بسرد قصة حياة انسان قدره عراقه الجريح الذي استنزفت السلطة الأمنية ميعة شبابه، وقدره أنه كان منتمياً الى حزب محظور.. وقدره الأهم أن أنثى سكنت فؤاده. تدور الأحداث كما أرادها الروائي بمثابة مشاهد يبث من خلالها القسوة والظلم اللذان يغمرا المواطن العراقي الذي يجب عليه أن يبقى تابعاً للسلطة، وبما أن يسار محمد محمود اختار الانضمام الى الحزب الشيوعي فكان قدره الوقوع بيد الأمن العراقي الذي نكّل به أشد التنكيل، إلا أن ورغم كل ذلك، ما فارق وجه زها، الفتاة التي أحبها، خياله، وإلى نهاية القصة، وبعد هربه ليصبح مواطناً سويدياً يعود بعد أن أصبح ثرياً الى عراقه باحثاً عن زها التي وقعت ضحية وحشية أخيها، الا أن المفارقة التي يكشف عنها الروائي في المشهد الأخير، هي أن ضابط الأمن الذي بقي مصغياً الى قصة يسار على مدى ثلاث عشرة ليلة وليلة والذي اتخذه صديقاً لم يكن سوى المفوض عباس محمود زكي هو عباس الجلاد أو ما يلقبونه بأبي دفرة، الذي عذبه في ذاك اليوم البعيد في مديرية الأمن العام، ينتهي يسار بهدوء، فاجأ موته ضابط الأمن هذا، بل فجعه بموته، وورقة، أو وريقة سقطت من جيب يسار وهم يحيلونه ميتاً، وليس فيها الا بضع كلمات ظل محتفظاً بها هي للسياب وفيها: أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه.. يا أنتا مصباح روحي أنتا - وأتى المساء والليل أطبق، فلتشعا في وجاه فلا أتيه. لو جئت في البلد الغريب إليّ ما كمل اللقاء.. الملتقى بك والعراقي علي يديّ.. هو اللقاء.
Çatdırılma Xərci |
|
Mağaza Məkanı |
İncələmə tapılmadı!
Bu məhsul üçün şərh tapılmadı. İlk şərhi yazın!