في رواية «الحرملك» تنقلنا الروائية سماح العيسى إلى حقبة الثمانينيات من القرن العشرين من تاريخ سورية السياسي والاجتماعي؛ لتكشف عن قضايا معقدة لزمنٍ تراجيدي ممتد عاشه السوريون ولما يزالوا ويتمثل بتحكّم أتباع السلطة/المخابرات بكل مفاصل الحياة، كما يتمثل في الكشف عن الوجه الدنيء والمقزز في الممارسات والمعاملات في العلاقة بين السلطة والمواطن؛ يتحول معها الخوف من هؤلاء "الأتباع" وفسادهم في الأرض إلى حالة مَرَضية تقيم في داخل الفرد الذي يبدأ بالبحث عن مخرج له بعد أن دُنست روحه قبل جسده... في هذا العمل تقدم سماح العيسى الرواية بوصفها نصاً غير مهادن، يواجه ولا يتراجع، ويكشف أكثر مما يستر؛ لذلك هي تتبنى منهجاً واقعياً يفيد بضرورة تسجيل الأحداث (السياسية – الاجتماعية) داخل نسق سردي ومن ثم نقده في قالب إبداعي مميز ويتمظهر ذلك أكثر في ما تعانيه الشخصيات الروائية (النسائية) والمتمثلة بـ "ليلى" التي غادرت وهي ما تزال تقبع في رحم أمها مع عائلتها مدينة حماة عقب أحداث الثمانينات الدامية وكانت بطاقة أمها هي تذكرة العائلة إلى الهرب؛ عائلتها المنتمية للاذقية وكنيتها العالقة في نهاية الاسم "كلمة سر" فتحت أبواب مدينة البحر في وجههم... ستكبر "ليلى" في مدينة البحر وهناك تتعرف إلى "منى" المنتمية إلى مذهب آخر. جمعتهما مقاعد الدراسة حتى شكلتا مثالاً للتعايش وحكاية صداقة حقيقية تواجهان بها الحياة عند كل منعطف.. تتوالى الأحداث في الرواية حتى تقع "ليلى" ضحية لغرائز واحد من أتباع السلطة. تفقد على أثرها كل من كان بالأمس يحبها فتقرر وضع حد لمأساتها.. أما "منى"، فتفقد هي الأخرى حبيبها "ريان" الذي قرر الهرب بعد أن قبع في غياهب أقبية المخابرات.. وتتعدد المآسي وتنال كل شخصية روائية نصيبها من الألم والفقد ولكل منها روايتها ضمن الرواية... ما يعني أن الواقع الاجتماعي في النهاية ما هو سوى انعكاساً للسلطة السياسية القائمة في كل زمان ومكان، فجاءت هذه الرواية لتقول كلمة حق في وجه واقع جائر... تقول الروائية سماح العيسى: "ساعة الرحيل يمكنك أن تترك كلَّ شيءٍ خلفك إذْ تمضي إلَّا ذاكرتك فهي دائماً تسبقك إلى وجهتك!!... وأنت تكدّس أشياءك في حقيبة واحدة لترحل خفيفاً من كل شيء؛ يندسُّ الماضي بين طيات ثيابك التي حرصتَ أن تغسلها جيداً لتتخلص من رائحة الأماكن.. وأنت توضّب القليل الذي قررت أن تحمله معك لأرضٍ أخرى؛ تكتشف فيما بعد أنَّ الكثير الكثير قد تسرّب إلى حمولتك. أنّك مثقلٌ ومكتظٌ بكل التفاصيل.. بينما أنت تهمّ بالمضي تتفاجأ أن حواسك مشرّعة على اتساعها تلتهم كل ما تقابله وتخبئه في سنام الذاكرة لتجتره ذات حنين. عيناك تلتقمان الشوارع بيتاً بيتاً، وناصيةً ناصية. أنفك يكنز رائحة الجدران. لكلّ جزءٍ من تاريخك عطرٌ مميز؛ عطرٌ خاص.. عطرٌ تنجبه الأشياء تلقائياً وفطرياً. حتى الأحداث قد تنجب عطورها ذاتياً، فكلُّ حدث بلا رائحة هو حدثٌ معدٌّ للنسيان. وهناك كان كلُّ شي معدّاً للخلود".
Shipping Cost |
|
Shop Location |
No reviews found!
No comments found for this product. Be the first to comment!