"المرة الأولى التي تعرف فيها فهد التركي على الشاب عما اليوبي كانت قبل سنتين، نشأ بينهما ودٌّ إلكتروني، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انضم إلى ديوانيته الأسبوعية، وصار بينهما صحبة مستمرة... ورغم تعدد لقاءاتهما.. إلا أن فهد ما زال يشعر أنه لم يفهمه بشكل كامل، ولا يمكنه التنبؤ بردات فعله، شخصيته تحمل جانباً من الغموض، والتقلب،.. غير نمط شخصيته بشكل مستمر، يدّعي أنه يكره الرتابة حتى في أصغر صورها، كما إنه لا يحب الحديث عن نفسه، أو عن أسرته! ورغم كل ذلك.. فإن فهد ارتاح له كثيراً، وصار يميل إلى مجالسته، واصطحابه في بعض تنقلاته الخاصة، فقد أعجب بشخصيته الغريبة، كما أعجب-من قبل-بنشاطه الاجتماعي، وجرأته في نقد الأخطاء العامة بشكل علني. أشار فهد التركي: "هذا هو حيّ العود، سننعطف يساراً، وسنرى الواقع من دون وسيط". ثم أضاف: "ستحسّ بأنك من أهل الجنة". "أهل الجنة"، "سيتذكر كلامي، هذا الذي دفعني للخروج"، قال فهد التركي في نفسه، ما زال يتذكر المرة الأولى التي لامسته هذه المشاعر السماوية، قبيل سنوات، حينما رافق أحد أصقائه إلى زيارة لدار أيتام شرقي الرياض، أحس بوحشة أول الأمر، بأنه لا ينتمي للمكان، لكن حينما تجرأ، حينما اقترب من الأيتام الصغار، ومسح على رأس أقرب واحد إليه، أحس بشيء غريب ينتقل إلى جسده، كان ينظر إلى يده وهي تتحرك ببطء على رأس ذلك اليتيم. يتفحص عينيه الخائفتين، نبض قبه، أحس بشيء يجذبه إليه.. وحينما غادر الدار، حينما أوى إلى فراشه تلك الليلة، أيقن أن روحه تعالت كثيراً، تنفست إكسير الخلود، وامتزجت بشيء علويّ!. "مستحيل... لن يوقفني أحد"، قال فهد، "فهد.. عن ماذا تتحدث؟ ومن الذي سيوقفك؟" في لحظات التجلي، وبعد أن يقرأ حفنة من أخبار الصامدين، من أخبار المناضلين العِظام، الذين أفنوا حياتهم من أجل رسالة آمنوا بها، لأجل أن تبقى راياتهم عالية، حينما يقرأ ذلك كله... سرعان ما تغزوه خيالات البطولة. تتسامى روحه عالياً، يرخص حينها كل شيء، تتضاءل في عينيه كل عوامل الجذب الدنيا: "إنما هو سوط أو سوطان... ثم لا تدري أين يقع الباقي"."تذكر فهد هذه الكلمة الخالدة، حرارة السوط الأولى هي ما سيوجعه، ثم ينعم بعدها بالانتصار الكبير. تأمل هذا الموضوع كثيراً: هل حقاً سأستطيع تحمل كل الخسائر: "... المناضل؛ حينما يركب الأهوال، حينما يقتحم الأسلاك الشائكة، فإنه يظل يسترخص كل ثمن، ينظر إلى غايته البعيدة، لا يصرفه عنها شيء، إلا شيئاً صغيراً في مخيلته، يبقى مشوشاً، مضطرباً... حتى يتم تأمينه، يظل يفكر في انكشافه، في انكشاف رواحله، في زوجته.. في عشه الصغير! تذكر أمه الراحلة، استجداءاتها المستمرة: "إنهم لا يرحمون يا ولدي".""مشوار وليس كأي مشوار يمشيه فهد التركي على صفحات التواصل الاجتماعي... مشوار كم حذرته أمه من نهايته إلا أنه كان موقناً بأن المناضل حينما يركب الأهوال، حينما يقتحم الأسلاك الشائكة فإنه يظل يسترخص كل ثمن، في سبيل تلك الغاية البعيدة التي أمضى حياته يحلم بها... إنها ذلك الوطن الذي يحلم به... وطن يعيش فيها المواطن وهو يتمتع بكل المواصفات الإنسانية. ولكن، وإلى نهاية المشوار يرتسم المشهد الأخير... مشهد يضم وطناً ومواطناً متكسر الأحلام، منزوياً ومعزولاً في زنزانته بعدما مضى في غايته إلى أقصى حدود مواقع التواصل الاجتماعي، التي تسقطه خدعة في براثنها لتشهد آماله حالة موت سريري عميق... ولتتحقق مقولة أنه "لا يرحمون يا ولدي".
Shipping Cost |
|
Shop Location |
No reviews found!
No comments found for this product. Be the first to comment!